-----------------------------------------------------------------------------------------------
قبل قراءة هذا الجزء ننصح أولا بقراءة المقدمة التوضيحية للملف أضغط هنا
----------------------------------------------------------------------------------------------
"يقع اليمن في جنوب غرب آسيا، بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية. ويشرف على مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي عن طريق خليج عدن. يحدها من الشمال السعودية ويبلغ طول الشريط الحدودي بين البلدين 1,458 كم، و 288 كم مع عُمان من جهة الشرق. ومن الجنوب بحر العرب، والغرب البحر الأحمر وتمتد الجبهة البحرية لليمن على مسافة قدرها (2500 كم)، أي أن كل كيلو متر من المساحة يقابله 182.2 كم مربع، وبمقارنة هذا المعدل بالمعدل العام للوطن العربي، والذي يبلغ 1/610 كم مربع، نجد بان سواحل اليمن طويلة نسبيا، ما يجعل مختلف المنطقة السياسية قريبة من السواحل". ويكيبيديا
إن هذا الموقع الجغرافي لليمن، المحاط بثلاثة بحار هامة، هي: البحر الأحمر من الغرب، وبحر العرب والمحيط الهندي من الجنوب، ما منحه شريطا ساحليا كبيرا (2500 كم)، جعله هدفا سهلا لتسريب المهربات عبر المنافذ الساحلية، مع ضعف في الإمكانيات المناسبة لضبط معظم المساحة البحرية المتفلتة منه.
في هذا الجزء من الملف سنستعرض تفاصيل المرحلة الأولى من التهريب، والتي تتم عبر البحر، وتشمل رحلتين: الأولى خارج المياه اليمنية؛ والثانية داخل المياه اليمنية، وصولا إلى السواحل اليمنية، ونخصصها هنا بسواحل محافظة شبوة تحديدا.
- المرحلة الأولى
الرحلة الأولى للتهريب عبر البحر: البداية في المياه الإقليمية
تبدأ هذه الرحلة، بشحن السلاح المطلوب من مصدره الرئيسي (دولة أو جهة أو شركة سلاح يتم التعاقد معها..الخ)، بداخل سفن كبيرة أو متوسطة مناسبة، تكون غالبا مخصصة لشحن ونقل مواد تجارية للتمويه، بحيث يتم إخفاء شحنة السلاح فيها بشكل جيد. وتكون مهمتها هي إيصال الشحنة بأمان إلى سواحل إحدى دول القرن الأفريقي القريبة من اليمن، كخطوة أولى. وهنا يتم الحديث غالبا عن سواحل الصومال بدرجة رئيسية، باعتبارها قريبة إلى اليمن، في وقت تمتلك فيه شريط ساحلي كبير يصل إلى 3025 كم (تعتبر الصومال الدولة رقم 39 من بين دول العالم من حيث طول شريطها الساحلي)، كما يمكن الوصول إليه بسهولة عبر الالتفاف من بحر العرب إلى المحيط الهندي الواسع والممتد، الأمر الذي يقلل من احتمالية الوقوع في قبضة الرقابة البحرية الدولية التي تكثف من تواجدها أكثر على خليج عدن والبحر الأحمر، حيث مضيق "باب المندب" الاستراتيجي.
وهناك، على السواحل الصومالية، يتم تفريغ البضاعة المهربة من على ظهر السفن الكبيرة ونقلها إلى سفن صغيرة أو قوارب تابعة للمهربين المتعهدين بنقلها إلى سواحل شبوة، الواقعة في منتصف الخط الساحلي اليمني الجنوبي الممتد من خليج عدن غربا، مرورا ببحر العرب حتى المهرة شرقا.
[caption id="attachment_4720" align="aligncenter" width="300"]خريطة أفتراضية لمسارات خط التهريب البحري لشحن السلاح[/caption]
رقابة دولية في الطريق
منذ فترة طويلة تخضع المياه الدولية المحيطة باليمن وما جاورها من دول القرن الأفريقي لرقابة دولية، بدأت بذريعة محاربة القرصنة التي اشتهرت في هذه المنطقة بالذات. وأرسلت البحرية الأمريكية والأوروبية وبعض الدول الأخرى بوارجها إلى المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، لتأمين الطرق البحرية من القرصنة وتأمين مرور السفن المحملة بالنفط بدرجة رئيسية وغيرها من السفن التجارية. ثم استمرت تفرض سيطرتها على البحر حتى بعد توقف أعمال القرصنة.
ولاحقا، العام الماضي، أنضمت البوارج والسفن الحربية التابعة لدول التحالف العربي المؤيد لإعادة السلطة الشرعية في اليمن، إلى هذه الرقابة الدولية بموجب قرار من مجلس الأمن لمنع تدفق السلاح لميليشيات الحوثي الإنقلابية.
نجحت هذه الرقابة الدولية أحيانا من ضبط شحنات أسلحة على بحر العرب، قبل أن تصل مرافئها الآمنة داخل اليمن. بعضها كانت ما تزال في منتصف رحلتها الأولى في طريقها إلى الصومال، وأخرى كانت قد استكملت رحلتها الأولى ووصلت إلى الصومال ثم ضبطت بينما كانت في بداية رحلتها الثانية في طريقها إلى اليمن.
وبتحديد آخر هذه العمليات المعلن عنها، سنجد أنه وخلال شهر تقريبا، وتحديدا: ما بين أواخر فبراير، وأوائل أبريل الماضيين (2016)، أعلنت القوات البحرية الدولية المشتركة عن ضبط ثلاث شحنات أسلحة كبيرة في المياه الإقليمية اليمنية، أو بالقرب منها، رجُح أن جميعها كانت قادمة من إيران ومتجهة في طريقها إلى الميليشيات الحوثية داخل اليمن، نوجزها على النحو التالي:
- الشحنة الأولى: ضبطتها البحرية الأسترالية، في 27 فبراير الماضي، وتسترت عليها قبل أن تعلن ذلك بعد مرور أكثر من أسبوع ونصف تقريبا ضمن بيان مشترك مع البحرية الأمريكية. وكشف البيان أن الشحنة التي تم ضبطها تحتوي على ما يزيد عن 2000 قطعة سلاح من ضمنها بنادق آلية ورشاشات "AK-47" ومنصات إطلاق صواريخ ومدافع كاتيوشا وقذائف صاروخية، كانت مخفية تحت شباك على متن قارب صيد أسماك صغير كان قادما من إيران ومتجه إلى الصومال، في طريقه إلى اليمن لمساعدة الحوثيين. طبقا لما نقلته قناة (NBC) الأمريكية، عن المتحدث باسم القيادة المركزية للبحرية الأمريكية. وقالت البحرية الاسترالية، في وقت لاحق، إن إحدى سفنها البحرية التي تقوم بدوريات في المنطقة، اعترضت سفينة صيد صغيرة، على بعد حوالي 170 ميلا بحريا "قبالة ساحل عمان" عندما عُثر عليها.
[caption id="attachment_4724" align="aligncenter" width="500"]شحنة أسلحة ضبطتها البحرية الأسترالية قبالة السواحل الصومالية في 27 فبراير 2016[/caption]
- الشحنة الثانية: ضبطتها البحرية الفرنسية في 20 مارس الماضي، وكانت هي الأخرى قادمة من إيران ومتجهة إلى اليمن عبر الصومال، طبقا لما نقلته قناة السي إن إن الأمريكية نقلا عن المتحدث باسم أسطول الولايات المتحدة الخامس، القائد كيفن ستيفنز. واحتوت هذه الشحنة على كمية كبيرة جدا من الأسلحة شملت: "عدة مئات من رشاشات AK-47 والمدافع الرشاشة والأسلحة المضادة للدبابات،" وفقا للبيان الصحفي الصادر، بعد مرور أسبوع، بإسم القوات البحرية المشتركة بهذا الخصوص. وبحسب الخبر، فقد رصدت القوات الفرنسية السفينة المذكورة كجزء من المراقبة الروتينية في شمال المحيط الهندي.
- الشحنة الثالثة: لم يمض أكثر من أسبوع على ضبط البحرية الفرنسية للشحنة السابقة، حتى تمكنت البحرية الأمريكية من ضبط ومصادرة شحنة أسلحة جديدة، في 28 مارس، كانت مخبأة على متن مركب شراعي صغير لا يحمل جنسية دولة، لكن السلطات الأمريكية تأكدت من خلال الفحص أن مصدرها كان إيران ورجحت أن وجهتها كانت للحوثيين في اليمن، طبقا لقناة الـ(سي إن إن) الأمريكية. وطبقا للمعلومات المنشورة، أحتوت الشحنة على: 1500 رشاش كلاشنكوف و200 قذيفة صاروخية و 21 بندقية آلية من عيار 50 ملليمترا.
[caption id="attachment_4725" align="aligncenter" width="300"]شحنة اسلحة ضبطتها البحرية الأمريكية ببحر العرب في 28 مارس 2016[/caption]
ومن خلال تحليل المعلومات السابقة، يمكن توقع بوصلة اتجاه مسار خط التهريب البحري بدءا من إيران وصولا إلى بحر العرب من جهة الشرق، والتحرك غربا، مرورا بالمياه الإقليمية لسلطنة عمان. ومن هناك يعتقد أن الخيار الأنسب يتمثل بالانحراف جنوبا على مياه بحر العرب، للالتفاف على الرقابة الدولية المكثفة على امتداد بحر العرب وخليج عدن، ثم – بعد أن تكون قد أطمأنت بما فيه الكفاية بابتعادها عن الرقابة الدولية - تعدل السفينة مسارها غربا نحو المحيط الهندي وصولا إلى سواحل الصومال لإفراغ حمولتها هناك، استعدادا للمرحلة التالية.
الرحلة الثانية للتهريب عبر البحر: تأمين الوصول إلى السواحل اليمنية
بعد إيصال شحنة السلاح المطلوبة من مصدرها الرئيسي إلى أحد موانئ التفريغ خارج اليمن (حددنا هنا الصومال)، يتم التعاقد مع تجار تهريب ذوو خبرة لإيصالها إلى السواحل اليمنية، بعد تفريغها إلى سفن أو قوارب صغيرة، للتمويه وتسهيل مهمة العبور بعيدا عن شاشات الرقابة الدولية.
يقول (ن.ن.أ)، وهو من أبناء منطقة "بئر علي" – مديرية رضوم بشبوة، لـ"يمن شباب نت": "تصل المهربات بكافة أنواعها إلى سواحل المحافظة عبر سفن متوسطة الحجم، يطلق عليها اسم (اللنش)، تستطيع نقل كميات تتراوح بين (10 - 15) طن، بحسب اختلاف احجامها، وتقوم بإيصال المواد المهربة الى أحد الموانئ المؤقتة كونها لا تحتاج الى مراسي كبيرة او جاهزة البناء بسبب صغر حجمها". والموانئ الموقتة – كما سنعرف لاحقا - هي عبارة عن مرافئ غير قانونية تم إنشاؤها مؤخرا بعيدا عن الدولة بغرض عمليات التهريب.
ويضيف (ن.ن.أ): "كما تستخدم بعض قوارب الصيادين في عملية نقل بعض المهربات، حيث يتم اغراؤهم بمبالغ تصل الى 50 ألف ريال في النقلة الواحدة، وهو مبلغ كبير ومغري بالنسبة للصياد، مقارنة بما يتحصله من عملية الصيد".
موانئ خارج سلطة الدولة
ولاستكمال المرحلة الثانية من رحلة التهريب بنجاح، تطلب ذلك وجود موانئ ومرافئ غير قانونية كي تصل إليها تلك الشحنات المهربة. ولهذا الغرض، يقول مصدرنا المحلي السابق، "أنشئت عدد من الموانئ المؤقتة والعشوائية خارج سلطة وإدارة الدولة"، والتي – كما يوضح المصدر المحلي السابق: "تعمل بنظر وتبعية قبائل وعشائر محلية، نظرا لتواجد هذه الموانئ في نطاق نفوذها وسيطرتها الجغرافية". لكن مصدر محليا آخر أكد لنا أن هذا يحدث غالبا "بمشاركة او بمباركة نافذين كبار في المحافظة والجيش، لقاء نسب مالية تتقاسمها مع الجهات التي تدير تلك الموانئ المؤقتة".
من هذه الموانئ المستحدثة التي أنشأت لتستخدم في التهريب بعيدا عن نفوذ وإدارة الدولة: ميناء "بئر علي"، ميناء البيضاء (بلحاف)، ميناء "المجدحة"، ميناء قناء (حصن الغراب)، ميناء العليب، ميناء كيده، وميناء مفرق شروان. وجميعها تقع في مديرية رضوم، كونها المديرية الساحلية الوحيدة بالمحافظة.
ولعل اللافت للانتباه هنا – طبقا لمعظم المصادر – أن كل هذه الموانئ (العشوائية والمؤقتة) نشطت خلال الازمة الأخيرة التي ضربت البلاد على إثر انقلاب مليشيات الحوثي وصالح على الشرعية مطلع العام الماضي (2015).
وقد برز مينائي "بئر علي" و"البيضاء" بمحافظة شبوة، باعتبارهما الأكثر أهمية لمعظم وأهم عمليات التهريب الخاصة بالسلاح والمواد النفطية بالميليشيات. والثاني (أي ميناء البيضاء)، الموجود في بلحاف، كانت مليشيا الحوثي والمخلوع قد أعادت تأهيله أثناء سيطرتها على معظم المحافظة خلال الأشهر الأولى من الانقلاب على السلطة، وذلك بهدف استخدامه لتهريب الأسلحة والمشتقات النفطية. وبعد طردها من المحافظة، في يوليو الماضي، ظل الميناء يعمل في التهريب، وظلت الميليشيات تستقبل منه الشحنات المطلوبة من السلاح والنفط عبر مقاولين يتكفلون بإيصالها إليها في مديريتي عسيلان وبيحان التابعتين للمحافظة والواقعتين تحت سيطرة الميليشيات حتى الأن.
تحذيرات واتهامات
ومؤخرا، حذر مدير عام هيئة المصائد السمكية بمحافظة شبوة "حميد الكربي" من عمليات التهريب عبر مواني محافظة شبوة.
وقال في منشور كتبه على صفحته الشخصية بالفيسبوك، منتصف شهر يوليو، اننا طالبنا الدولة وقيادة التحالف "بإعادة النظر واغلاق تلك الموانئ الغير قانونية او تقوم الدولة بتشغيلها وتحمل مسؤوليتها".
وأعتبر ان هذه الموانئ "تعطي للإرهاب فرصة لاستغلالها والدخول الى الأماكن المهمة ومنها منشأة بالحاف الغازية"، (...). وأكد أن "المستفيد الوحيد من هذه المهربات هو الحوثي وعفاش حيث يتم تهريبها الى البيضاء ومأرب وبيحان وايصالها الى جميع مناطق الحوثي وتوفير المشتقات بكل سهولة للمليشيات".
وأتهمت تقارير إعلامية متطابقة بعض الفاسدين في السلطة المحلية بشبوة بإطلاق شاحنات وقود مهربة بعد احتجازها لأيام، لقاء مبالغ مالية.
يأتي ذلك في وقت كشفت فيه قيادات في المقاومة الشعبية، في تصريحات متنوعة في شهر يوليو، حصول ميليشيات الحوثي على أسلحة نوعية وصلتها عبر التهريب خلال الفترة الماضية أثناء مشاورات الكويت، التي اتهمت الميليشيات باستغلالها لهذا الغرض.
وتتجه الأنظار إلى شبوة كأحد أهم منافذ التهريب التي تعتمد عليها الميليشيات، لا سيما بعد تضييق الخناق عليها بعد استعادة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لمدينة ميدي الساحلية، مطلع يناير الماضي، والتي تقع على البحر الأحمر غرب اليمن على الحدود السعودية، وفيها ميناء ميدي الذي ظل لفترة طويلة تحت سيطرة الميليشيات وعُرف بأنه المنفذ الأهم لها لتهريب السلاح، قبل أن تفرض رقابة بحرية مشددة عليه من قوات التحالف العربي منذ مايو 2015 تقريبا.
لمعرفة المزيد تابع الجزء الثاني من الملف: تفاصيل الرحلة البرية للتهريب في محافظة شبوة
ويمكنك أيضا الإنتقال إلى الجزء الثالث: موقف السلطة المحلية في شبوة من مشكلة التهريب